اكتساب القراءة في الصّف الأوّل
القراءة هي أحد مجالات اللغة الأربعة ، وهي نتاج قدرتين أساسيتين هما:
1) قراءة كلمات، وهي عملية ذهنية يمكن تحويلها، من خلال الممارسة ، إلى قدرة آلية/أوتوماتيكية، أي تنفّذ بشكل تلقائي دون بذل جهد ذهني كبير. وهي شرط ضروري لفهم المقروء، إذ بها يربط القارئ بين شكل الكلمة وصوتها من أجل الوصول إلى دلالتها، بواسطة تحويل الأحرف والحركات إلى أصوات ومن ثمّ تجميعها.
2) القدرة على الفهم، أي ربط الكلمات مع بعضها في وحدة لغوية لها معنًى، وهي القدرة ذاتها التي يوظفّها التلميذ في فهم المسموع.
أ) اكتساب القراءة_ خلفية علمية
تدلّ الأبحاث على وجود عاملين يؤثّران على قدرة الأطفال على قراءة الكلمات في لغات مختلفة هما:
العمق الأورتوغرافي وهو العلاقة بين شكل الكلمة وصوتها، والمبنى المقطعي (Aro & Wimmer, 2003; Seymour, Aro, & Erskine, 2003; Ziegler & Goswami, 2005))
العامل الأول العمق الأورتوغرافي: هناك نوعان من الأورتوغرافيا؛
أورتوغرافيا شفافة/غير عميقة وتكون العلاقة فيها بين شكل الكلمة (الحروف والحركات) وصوتها، علاقة ثابتة كما في اللغة العربية المشكولة. وأورتوغرافيا عميقة تكون العلاقة فيها بين شكل الكلمة وصوتها غير ثابتة، فيمثّل الحرف الواحد أصواتًا مختلفة، والصوت الواحد رموزًا مختلفة، كما في اللغة الإنكليزية مثلا.
يؤثّر العمق الأورتوغرافي تأثيرًا كبيرًا في الدّقة والسّرعة، أي الطلاقة في قراءة الكلمات. من المفروض أن تكون عملية قراءة الكلمات في لغة ذات أورتوغرافية شفافة كاللغة العربية، أسهل وتتطوّر بوتيرة أسرع منها في لغات ذات أورتوغرافية عميقة كاللغة الإنكليزية، ذلك لأنّ القارئ في قراءته لكلمة يستطيع أن يعتمد على الأحرف والحركات في التوصّل، أغلب الأحيان، إلى قراءة دقيقة. بعكس ذلك في اللغة الإنكليزية، حيث يضطرّ القارئ إلى الاعتماد على شكل الكلمة ككلّ، كي يصل إلى مبناها الصوتي.
العامل الثاني المبنى المقطعي: هناك نوعان من المقاطع؛
مقاطع بسيطة/غير مركّبة كما في اللغة العربية، فالمقاطع أغلبها مقاطع ذات مبنى غير مركّب: cvc (صامت، صائت، صامت)، أو cv (صامت، صائت).
مقاطع مركّبة كما في اللغة الإنكليزية التي تسمح بوجود عدد من الصوامت في بداية ونهاية مقاطعها مثل: cccvc,ccvc,cvcc.
إنّ القراءة في لغات ذات مبنى مقطعي بسيط نسبيًا كاللغة العربية، تتطوّر بشكل أسرع منها في لغات ذات مبنى مقطعي مركّب كاللغة الإنكليزية.
تدلّ الأبحاث المذكورة أعلاه أنّ القراءة في لغات مختلفة تتطلّب تطوير استراتيجيات قراءة مختلفة تبعا لنوع المبنى الأورتوغرافي، والمبنى المقطعي للكلمات. فعندما يكون المبنى المقطعي بسيطا نسبيّا، ويتمثّل أورتوغرافيًا بشكل شفاف، يطوّر القارئ استراتيجية قراءة مبنيّة على ترجمة الحروف والحركات، إذا وجدت، إلى أصواتها ومن ثمّ إلى دلالتها. تعتبر هذه القدرة أساسا مهمّا لفهم المقروء، ولذلك يجب أن تتحول إلى قدرة أوتوماتيكية يستعملها القارئ بعد ذلك لقراءة أي كلمة (Share,1995).
أما إذا كان المبنى الأورتوغرافي عميقًا، فبالإضافة إلى تطوير هذه القدرة الأساسية يطوّر القارئ استراتيجيات قراءة مبنية على الكلمة كوحدة أورتوغرافية واحدة، ويستعمل هذه الاستراتيجيات لدى قراءة الكلمات غير الشفافة أورتوغرافيّا التي لا ينجح في قراءتها باستعمال الاستراتيجية المبنية على التحويل الصوتي (من الرموز إلى الأصوات) والتركيب الصوتي.
ب) اكتساب القراءة في اللغة العربية
بما أنّ اللغة العربية تتميز بهاتين الميزتين: مبنى مقطعي بسيط وأورتوغرافيا شفافة، فإنّ القدرة على قراءة الكلمات من المفروض أن تكون سهلة نسبيًا بحيث تصل إلى مستويات عالية من الدقة والسرعة، أي الطلاقة، مع نهاية الصف الأول.
لتحقيق ذلك يوصي المنهج في المرحلة الأولى (الصف الأول) بـِ:
- التركيز على معرفة الحروف وعلى تمكين التلاميذ من ترجمتها الدقيقة والسريعة إلى أصواتها وتحويلها إلى مهارة أوتوماتيكية.
- تعليم الكلمة كوحدات أورتوغرافية صغيرة (أحرف وحركات) تُترجم إلى أصوات، وليس كقالب واحد. وتحويل هذه العملية ( ترجمة الأحرف والحركات إلى أصوات ومن ثمّ تجميعها) إلى قدرة أوتوماتيكيّة.
- عدم التركيز الزائد على تعليم التلاميذ القواعد المعتمدة للغة المعياريّة.
إنّ ما يُتوقّع من المعلم أن يقوم به، هو ليس تعليم الحروف كمجال معرفة فقط، وإنّما تحويل المعرفة إلى مهارة أوتوماتيكية يستعملها الطفل في قراءة كل كلمة دون أن يكون بحاجة إلى الاعتماد على النص. يمكن تحقيق هذا عن طريق قراءة نصوص متعدّدة ملائمة لهذه المرحلة. هذه المهارة مهمة جدًا في اللغة العربية، ويجب أن تكون مستقلة عن شكل الكلمة، وذلك لأن الكلمات في العربية طويلة صوتيا (عدة مقاطع) وتظهر بأشكال مختلفة عندما تتصل بضمائر مختلفة (كتب، كتبوه، كتبتما، تكتبون). ففي لغة ذات مبنى مقطعي بسيط وصرفي غني كهذا، يجب أن يعتمد الطفل في المرحلة الأولى على التركيب الصوتي الأوتوماتيكي لقراءة الكلمات. بعد ذلك، وبعد أن يكون قد طوّر قدرته في مجالات الصرف والنحو والدلالة، يتحوّل من القراءة التركيبية إلى التعرّف السريع على الكلمة