يصف ُ لنا الجليل أبو محذورة ماحدث معه فيقول : لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حنين خرجتُ عاشرَ عشرة من مكة نطلبهم، فسمعتهم يؤذنون للصلاة، فقمنا نؤذن نستهزئ، فقال النبيُّ – صلى الله عليه وسلم)) – : لقد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت )) . فأرسل إلينا، فأذّنَّا رجلاً رجلاً، فكنت آخرهم، فقال حين أذنت: (( تعال )). فأجلسني بين يديه، فخلع عمامتي ومسح على ناصيتي ثم قال )) : اللهم بارك فيه، وأهده إلى الإسلام (( فبارك عليَّ ثلاث مرات، ثم قال:
(( اذهب فأذن عند البيت الحرام )) .
إن ّ المتأمل في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع سيدنا أبي محذورة يجد ُ أنه يقف أمام أنموذج ٍ فريد ٍ في رعاية المواهب ؛ قلّ أن يوجد نظيره في البشرية .
لقد استطاع ” النبي الإنسان ” أن يحتوي َ هذا الصغير ذا الصوت الحسن ؛ ويحوله إلى خادم ٍ لدعوة الحق والرحمة ؛ بدلا ً من أن يكون بوقا ً للباطل والهلكة .
ونحن في زمننا هذا أشدٌ ما نكون حاجة ً إلى اتباع هديه صلى الله عليه وسلم في رعاية المواهب وتنميتها .
ويا للأسف ! كم دُفنت كثير من المواهب تحت تراب النقد والتحطيم ؛ وكم حُرمت الأمة من كثيرٍ من الشخصيات الموهوبة بسبب سوء التعامل معها واحتوائها .
وحري ّ بنا – ونحن نحاول التأسي به صلى الله عليه وسلم – أن ننظرَ كيفَ أن الغرب اتخذوا من منهج النبوة في رعاية المواهب نبراسا ً يسيرون عليه ؛ فقدّموا الأموال الضخمة ؛ والتسهيلات الميسرة ؛ والمكافآت المجزلة ؛ لمن وجدوا فيه موهبة ً فذة يمكن للبشرية أن تستفيدَ منها ، لقد وجّه النبي صلى الله عليه وسلم بتعامله الإنساني الراقي ورعايته لأبي محذورة رسالة ً إلى كل أب ِ وأم مفادها : إن في ابنائكم من هو مثل أبي محذورة فاكتشفوه تسعدوا ؛ ووجه كذلك رسالة ً إلى كل معلّم أو مرب ٍ مفادها : إن في طلابكم وطالباتكم من هو مثل أبي محذورة ؛ فلا تقتلوا موهبته بالتحطيمِ والإهمال .