التقويم الذاتي في التراث العربي الإسلامي
التقويم الذاتي
مفهوم التقويم الذاتي : التقويم الذاتي في التراث العربي الإسلامي :
التقويم الذاتي في التربية المعاصرة : صحائف التقويم الذاتي :
منطلقات استراتيجية التقويم الذاتي : المراجع
مفهوم التقويم الذاتي :
يقصد بالتقويم الذاتي أن يقومّ الإنسان ذاته بذاته، فيحـاسب نفسه ويراجــعها الحساب ،يعتز بممارساته ويعززها أو أن يعدلها ويطورها.
التقويم الذاتي في التراث العربي الإسلامي :
إن فكرة أن يقوم الإنسان نفسه فكرة قديمة قدم الإنسان،فهو قد كـان يعمـل علـى محسبة نفسه إزاء ما يعمله ،وعلى مراجعة ممارساته بعد إتيانها .
والتراث العربي والإسلامي حافل بدعوة الفرد إلى تقويم ذاته ومحاسبة نفسـه.فهو البصير بنفسه وواقعه وسلوكه وتصرفاته ،والعارف بميوله ومشاعره واتجـاهاته. وهو المدقق والمحاسب الأول لذاته في كل ما يمارسه .وقد أجمل القرآن الكـريم بإعجازه كل ذلك في آية (بل الإنسان على نفسه بصيرة ).
وقد رأى الرسول الأعظم –صلى الله عليه وسلم –أن من أهم مجالات تفوق الإنسان وتميزه قدرته على أن يدين نفسه عند الحيد عن الصواب ،فقد قال عليه السلام :
(الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ) .
وقد دعا نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم – إلى محاسبة النفس ،وروز السلــوك ووزن الأعمال في حديث شريف جعل فيه تقويم الإنسان ذاته خيرًا من تقويـــم الآخرين إليه ،حيث يقول : "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنواأعمالكم قبل أن توزن عليكم).
التقويم الذاتي في التربية المعاصرة :
وفكرةالتقويم الذاتي في التربية المعاصرة لاتعدو ماتقدم .فهي عمـلية أن يحاسب العامل التربوي ذاته ،ويقوّم ممارساته في مجال معين ،وفق معــايير أو أبعاد على هيئة نقاط أو بنود ،تتضمنها صحيقة تقويم ذاتي خاصة بذلك المـجال .
ولكن المألوف حتى الآن ،أن يتم تقويم العامل التربوي من قبل مراقبين أو زائرين يفوقونه معرفة وخبرة،ويتقدمون عليه في مواقع المسؤولية والسلطة ، أما التقـويم الذاتي للعامل التربوي فهو التقويم الذي يقوم فيه العامل التربوي ذاته في معـزل عن مراقبين من الخــارج ،من خـلال أداة تكـون فــي متناول يـده تسمى (صحيفة التقويم الذاتي ).وهكذا فإن التقويم الذاتي إضافة إلى كونه نوعاَ من أنواع التقويم التربوي ،يعدّ غاية بحدّ ذاته يُؤمل أن يصل إليها العامل التربوي. فهو في ذلك وسيلة وغاية .
ولا يقتصر التقويم الذاتي على العامل التربوي سواء أكان معلماَ أم مديراَ أم موجهاَ
ذلك أن الإنسان ،كائناَ ماكان عمله ،يجري هذه العملية التقويمية علـى شكـــل مراجعة ذاتية لما قام به ،ويتبين وحده مواضع نجاحه فيعتز بها،ومواقع إخفاقــه فيعمل على تحاشيها أو تعديلها ،ولكننا نقصر الحديث هنا على العامل التربوي .
صحائف التقويم الذاتي :
صحيفة التقويم الذاتي استمارة تشتمل على بنود مصوغة على هيئــة عبارات آدائية تسهل ملاحظتها ،ويمكن قياسها من قبل العامل التربوي نفسه.وقد تبلغ هـذه البنود العشرة عدّاَ ،كما قد تزيد على خمسين ،حسب المجال الذي تتناوله.وتغطـي المهارات والتقنيات والنشاطات المرغوب فيها المتصلة بالمجال المعنيّ.وبــذلك تكون الصحيفة بمثابة إطارمرجعي نظري منظم يحيط بالمجال من مختلف جوانبه كما يراها المختصون أصحاب الخبرة في ذلك المجال .وهو إطار يعتمده العامـل التربوي في تقويم عمله بأمان واطمئنان ،دونما حسيب أورقيب ،في ضوء ماتوفره الصحيفة للعامل التربوي من تغذية راجعة بشأن عمله ،حيث يسعى هذا العامل إلى تطوير ممارساته المتصلة بتلك العبارات الآدائية .
ولا يشترط في صحائف التقويم أن تكون معـدّة من قبل الاختصاصـين ،ذلك أن العامل التربوي يستطيع أن يعدّ صحيفة يقوّم بها ذاته ،ولكن ذلك على الأغلب لا يكون إلا بعد مراسٍ وخبرة بهذه الصحائف .فقد يعتمد العامل التربوي على ذاكرته ومعرفته وخبرته وحدها ،بينما يختلف العاملون التربويون في خبراتهم وخلفياتهم التربوية.فيخشى أن تتأثر أحكامهم بشخصياتهم ،وتبتعد قراراتهم عن الموضوعية .
أما صحائف التقويم المعدّة بحسب مواصفات ومعايير دقيقة ،من قبل خبراء مختصين ،فينتظر أن تتسم بالشمولية والصحة والثبات وسهولة الاستــخدام ،وأن تكون بنودها واضحة محددة متوازنة ، فتزود العامل التربوي بالإطـار النظـري
والمحكات التي ينبغي أن يحاكم ممارساته على أساسها ،فيحصل على تغذية علمية وموضوعية مرشدة تعينه في تطوير ممارساته وتجويدها .
فإذا حرص العامل التربوي عل هذه الخصائص في الصـحيفة فــلا ضير من التجربة بل هو مدعو إليها منذ الساعة .
منطلقات استراتيجية التقويم الذاتي :
ترتكز استراتيجية التقويم الذاتي إلى مبادىء يعبّر عنها بالمنطلقات التـــي تحكمها وتسوّغ الدعوة لها .
المنطلق الأول لهذه الاستراتيجية: هو أن الإنسان بطبعه مشدود إلى الكمـــال ،يسعى إليه ما وسعه السعي .فإذا ما توافرت لديه المعرفة وتبين مناحي قصـوره بنفسه وحده ،دونما وعظ أوتخطئة من أحد فإنه سرعان مايجد نفسه مطالباَ ذاتيـاَ بالعمل على تجاوز هناته وجوانب قصوره ،وبذل الجهد لتحسين نفسه في عيــن نفسه .
المنطلق الثاني : أن التقويم الذاتي يعزز لدى العامل التربوي خصائص الإنسـان المفكّر،الذي يسعى للحصول على المعلومات من خلال صحائف التقويم الذاتـي، ويثمّن مايحصل عليه من معلومات ،فيمارس التفكير المبدع ويطبّق المعارف التي يكتسبها ،فتزداد مهاراته التفكيرية في فهم ذاته وفهم الآخرين .
المنطلق الثالث : ناشىء من الإيمان بأن التقويم الذاتي أقل الوسائل كلفة ،وقدتكون من أكثرها جدوى وفاعلية ،وربما سرعة في ترك الأثر المـرجو في المــعنيين وانتقاله .
المنطلق الرابع : ينبع من احترام العامل التربوي إنساناَ،ومن الثقة بصـدق نواياه وسلامة تطلعاته إلى التحسين والتقدم ورغبته في تطوير ذاته دون آمر أو مراقب خارجيّ،ويتفق هذا المبدأ مع الاتجاهات التربوية التراثية والمعاصرة والتي تدعو إلى احترام ذاتية الإنسان واستقلال شخصيته ،وإعانته على الإنطلاق في الاتجاه السليم .
المنطلق الخامس : هو الاعتقاد بأن التحسين والتطوير وبالتالي التقدم الذي يصيبه العاملون التربويون لايعود كله إلى التقويم الذي يمارسه الموجهون والخبراء على هؤلاء العاملين .ففي ذلك نصيب لا بأس به يرجع إلى اقتناع العامـل التــربوي بتطوير ممارساته ،وإلى اقتناعه بلزوم تطوير هذه الممارسات وتحسينها ذاتيـاَ . وخير ما يكون ذلك بتعريض العلملين التربويين للمعرفة والمهارات والأساليـب السليمة في تنظيم النشاطات التعليمية .فعن طريق الموازنة بين ما هم عليه وبيـن الصورة الفضلى ،يمكن أن يتولد لدى العاملين التربويين الدافع للتطوير والتحسين. وفي ذلك كله شعور العامل التربويّ بالأمن والأمان لأن عثراته تقوّم دونما عقاب أو قرار من سلطات تربوية عليا .
المنطلق السادس والأخير : فمرده إلى الإيمان بأن التقويم الذاتي عملية توفــر التربية المستديمة والتعلم الذاتي ..وهما متطلبان لازمان لضمان سير التربية طوال العمر في اتجاهها الصحيح .
وهكذا واستناداَ إلى هذه المنطلقات الستة حبذا لو كان موضع التقويم الذاتـــي والتدريب على إعداد صحائفه واستخدامها والإفادة منها أحد أهداف وزارة التربية والتعليم ضمن خططها التوجيهية في مجالات تنمية المعلمين .