طرق تنشيط الطالب:
1- ربطه بشخصية النبي كقدوة :
إن ربط الطالب بشخص النبي والاقتداء به وغرس حبه في قلبه من أهم الوسائل التي تدفع الطالب للعمل وبذل الجهد .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( بت عند خالتي ميمونة ، فلما كان بعض الليل قام رسول الله فأتى شناً معلقاً فتوضأ وضوءاً خفيفاً ، ثم قام فصلى ، فقمت فتوضأت ، وصنعت مثل الذي صنع ثم قمت عن يساره فحولني عن يمينه ، فصلى ما شاء الله ، ثم اضطجع فنام حتى نفخ ثم أتاه المؤذن يؤذنه بالصلاة فخرج فصلى ) رواه ابن خزيمة في صحيحة.
وربط الطالب بشخصية النبي يجعل منه إنساناً صالحاً تقياً سوياً محباً للقرآن والعلم ، فيكون الباعث على التعلم ذاتياً داخلياً نابغاً من إيمان عميق وحب أصيل ، وهو بلا شك أقوى البواعث وأجداها وأنفعها وأقومها وأكثرها رسوخاً وثباتاً .
ويمكن ربط الطالب بشخصية النبي عبر الآتي :-
أ) بيان فضله على هذه الأمة ، وعلى العالمين ، وعلى الناس أجمعين .
ب) بيان سيرته العطرة ، وصفاته الخُلُقِية والخَلْقِية .
ج) تعظيم ذكره ، والصلاة عليه كلما ذكر ، واتباع سنته ، وإجلال أوامره ونواهيه .
د) العناية بسنته وأحاديثه ، وتربية الطالب على اتباع النبي في كل شيء .
فإذا تأصل حب النبي في نفس الطالب ثم سمع حديثاً يدعو إلى تعلم القرآن ، بادر إلى ذلك محبة للنبي وابتغاءً للأجر من الله .
2- المدح ( ) :
للمدح أثر فاعل في النفوس ، فهو يحيي الأحاسيس الميتة ، ويحرك الشعور النائم ، ويقع في النفس موقعاً حسناً ، وهو محبب إلى القلوب مثير للمشاعر ، وهو يدفع الشخص الممدوح إلى العمل بجدية وارتياح في نفس الوقت .
عن ابن عمر قال : كان الرجل في حياة رسول الله إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله ، فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي .
قال وكنت غلاماً شاباً عزباً ، وكنت أنام في المسجد عل عهد رسول الله ، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار ، فإذا هي مطوية كطي البئر ، وإذا لها قرنان كقرني البئر ، وإذا فيهما ناس قد عرفتهم ، فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار ، أعوذ بالله من النار ، أعوذ بالله من النار ، قال فلقيهما ملك فقال لي : لم ترع .
فقصصتها على حفصة ، فقصتها على رسول الله ، فقال النبي ((نعم الرجل عبدالله ! لو كان يصلي من الليل)) قال سالم : فكان عبدالله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا .
وهاهو المربي الأعظم ينبه بالمدح عبدالله بن عمر رضي الله عنهما إلى أمر غفل عنه بأسلوب رائع محبب إلى نفسه ، فيبعث به إلى العمل على أتم وجه وهو راغب مقبل مثابر .
وكذلك المدح في وقته المناسب ، وفي زمنه المناسب ، للشخص المناسب ، يبعث النشاط ويثير الحيوية في النفوس .
وينبغي أن يكون المدح بصدق ، واعتدال ، من غير مراء ، ولا تبجيل ، ولا تدليل زائد ، ومن حين إلى آخر ، ويكون موجَّهاً إلى هدف معين لا لمجرد المدح فحسب .
وإلا فإن الشخص الممدوح سيعتاد عليه ، وسيؤلمه التخلي عنه ، وسيصعب عليه قبول الحق بعد ذلك ، وسيثير في نفسه الغرور والتعالي .
3- المنافسة :
المنافسة تحرك طاقات كامنة داخل الإنسان لا يعرفها في الأوقات العادية ، وتبرز تلك الطاقات لدى الشخص عندما يوضع في منافسة حامية مع شخص آخر .
وكان رسول الله يصف عبدالله وعبيدالله وكثيراً – بني العباس – رضي الله عنهم ثم يقول : (( من سبق إلي فله كذا وكذا )) .
وهذه وسيلة مهمة تؤكد ضرورة زرع التنافس بين الطلاب ، ثم مكافأة الفائز وتقديره حتى يدفعه ذلك لاستخراج الطاقات الكامنة في نفسه ، ومن ثم يحقق المطلوب منه ويشعر باللذة والسعادة .
والمنافسة تنشط النفوس وترفع مستوى الهمم ، وتثير النشاط ، وتنمي المواهب ، كما أنها تغرس في الطفل روح الجماعة والابتعاد عن الفردية ، وتدرب على فهم الحياة ، وأنها بين إقبال وإدبار حسب ما يبذل لها من جهد .
والمنافسة تثير الطالب في الجانب المطلوب ، فلا يشذ عنه لئلا يخسر ، كما أنها توجه اهتمامه نحو الأمر المطلوب فيعتني به ويتقنه ولا ينساه .
أخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : (( إن من شجر البوادي شجرة لا يسقط ورقها ، وإنها المسلم فحدثوني ما هي ؟ )) فوقع الناس في شجر البوادي ، قال عبدالله : وقع في نفسي أنها النخلة .. ثم حدثنا رسول الله قال : (( هي النخلة )) .
وهذا الأسلوب قد أثار انتباه الطفل وجعله يفكر مع الكبار وينافسهم لمعرفة الجواب .
واستغلال أسلوب المنافسة بين الطلاب الحلقات يؤدي إلى بث روح النشاط بين الطلاب ويبعد عنهم الفتور والكسل ، لكن ينبغي استخدامه بشكل صحيح ليؤدي النتائج المرجوة منه ، فالاختيار الصائب للطلبة المتنافسين ، واختيار المجال الذي سيتنافسون فيه ، والغاية التي تؤجج فيهم روح التنافس ، والكلمات التي تشحن الجو العام بالمنافسة ، كل ذلك له دور كبير في نجاح المنافسة أو فشلها .
وينبغي مع ذلك كله أن يكون المدرس في يقظة دائمة لئلا يؤدي التنافس إلى الشحناء ، فيوجه المنافسة توجيهاً صحيحاً ويكبح جماحها حين تجنح عن أهدافها .
4- حل المشاكل :
قد يعتري الطالب النشيط فترات كسل وإعراض ، وقد يكون ذلك لمشكلة نزلت بالطالب ولا بد من حل ما يعترضه من مشاكل للعودة به إلى نشاطه المعهود .
ولن يعود النشاط ما دام العائق موجوداً ، والمانع قائماً ، وقد يكون مشكلة نفسية أو أسرية أو اجتماعية ، وهنا تبرز مهارة المدرس في التوصل إلى المشكلات وإيجاد الحلول لها بالتعاون مع القادرين على الوصول إلى جوهر المشكلة وحلها من أسرة وأقارب وموجهين .
وقد يجهل الطالب ماهية مشكلته وحقيقتها ، إلا أنه يشعر بوجودها ، وهذا أمر يحتاج إلى فهم مسبق من المدرس لنفسيات طلابه ، وبراعته في التعامل مع كلٍ بما يلائمه ، وفي الحقيقة فإن التغلب على العوائق والمشاكل التي تعترض سير الطالب يضمن له نشاطاَ مستمراَ بإذن الله.
ومن أول ما يجب على المعلم معرفته في ذلك : معرفة المراحل التي يمر بها الطالب بين طفولة ومراهقة ..
ومراحل كل مرحلة من هذه المراحل وخصائصها .
وإذا أدرك المعلم طبيعة كل مرحلة وأسرارها فإنه سينفذ إلى عقول الطلاب وقلوبهم ، وسيقبل بصدر رحب التصرفات الطبيعية الناتجة عن نموهم ، وسيحسن التعامل معها .
وعليه أن يخاطب كلاً بما يناسبه ، وأن يراعي الفروق الفردية في حل المشاكل ، ولنا في رسول الله أسوة حسنة حين اختلفت وصيته وتنوعت بحسب حال طالب الوصية منه في كل مرة.
5- الاستجابة للميول وتحقيق الرغبات :
فد يبذل الطالب مجهوداً كبيراً ، ويحقق شيئاً عظيماً في نظره ، ويشعر بأنه قدم لأسرته ولمعلمه شيئاً قيماً حين استجاب لرغباتهم وحفظ وتفوق ، وينتظر أن يبادلوه نفس الشيء بالاستجابة لميوله وتحقيق رغباته هو الآخر .
ومن المفيد هاهنا تشجيعاً له وتنشيطاً له وتقديراً له -الاستجابة لميوله ، خاصة مع الصغير فلا بد من ترضيته وتنفيذ مطالبه ، وحين تتم الاستجابة له تنشرح نفسه ويزداد نشاطه وينطلق من جديد ويواصل تفوقه وتألقه ، وقد يكون منعه مما يريد – خاصة بعد أدائه جهداً كبيراً – قد يكون ذلك إحباطاً معنوياً كبيراً وإعاقة للطالب عن مواصلة سيره .
وقد روي أن رسول الله خرج إلى عثمان بن مظعون ومعه صبي صغير له يلثمه ، فقال له : (( ابنك هذا ؟ )) قال :نعم ، قال : (( تحبه يا عثمان ؟ )) قال : إي والله يا رسول الله إني أحبه ، قال : (( إنه من ترضى صبياً صغيراً من نسله حتى يرضى ، ترضاه الله يوم القيامة حتى يرضى )) رواه ابن عساكر .
ولا بد أن تكون الاستجابة لميوله بحدود ، فلا تكون في ضرر على الطالب كالذهاب إلى الأماكن التي يخلع فيها الحياء ، أو تعلو أصوات المنكرات ، أو تنتهك فيه المحرمات ؛ فيمنع ، وحينئذ لا بد أن يكون المنع معللاً مع إيجاد بديل ملائم .
6- النظرة إليه نظرة واثقة :
نرى الإسلام يثق بالشباب ثقة واضحة ، لأن شباب ربي على أقوم منهج ، وبهذا المسلك الكريم لا يشعر الشباب أن شبابهم هو الذي يؤخرهم ، وأن الثقة لا تكون إلا في الشيوخ .
وهذا رسول الله يبعث معاذاً إلى اليمن ويوليه ثقته وهو شاب ، مع لفت نظره وتوجيهه والاطمئنان على المنهج الذي سيسير عليه .
وهاهو يدعو لابن عباس
( اللهم فقهه الدين وعلمه التأويل )) .
وهاهو يولي أسامة بن زيد الجيش العظيم .
ولا يدري كثير من الناس أن الطفل واحد من رجال الأمة ، إلا أنه مستتر بثياب الصبا ، فلو كشف لنا عنه وهو كامن تحتها لرأيناه واقفاً في مصاف الرجال القوامين ، ولكن جرت سنة الله أن لا يتفتق زوال تلك الأستار إلا بالتربية شيئاً فشيئاً ، ولا تؤخذ إلا بالسياسات الجيدة على وجه التدرج .
وحين ينظر المعلم إلى طالبه نظرة واثقة بأنه سيحقق كذا وكذا ، وسيحفظ كذا وكذا ، يشعر الطالب بأنه قادر على الحفظ وتنبعث الرغبة في نفسه وينشط لتحقيقها .
7- تنمية ثقة الطالب بنفسه :
الطالب الواثق من نفسه يقوم على العمل بجد لتوقعه أن سينجح بخلاف من يفقد الثقة بنفسه ويُقدم وهو يحمل في طيات نفسه الفشل قبل العمل فلا يبذل أي مجهود لأنه يظن أنه لن يكون هناك نتيجة في نظره .
وتنمية ثقة الطالب بنفسه من أهم عوامل تنشيط الطالب ودفعه للحفظ ، ويمكن ذلك بما يلي :-
أ) تنمية ثقته بالله عز وجل ، وأنه يعين من يستعين به ، ويقبل على من يقبل عليه ، وأن كل جهد يبذله يثاب عليه ولا يضيع سدى ، والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله وتذكر مراقبة الله دوماً ، ومراعاة حدوده ، والإقبال على الآخرة كل ذلك ينمي الثقة بالله عز وجل .
ب) ثقته بجدوى ما يتعلم ، لأن الذي لا يدرك قيمة ما يسعى إليه لا يبذل في سبيله أي جهد ، وذلك ببيان فضل القرآن وفضل تعلمه وخيرية أهله .
ج) إبراز الجوانب التي ينجح فيها الطالب ويتميز فيها على أقرانه ومدحه عليها والإشادة به .. كل ذلك من شأنه أن ينمي ثقته بنفسه .
د) قياس نجاح الطالب بقدراته هو ، وليس بقدرات زملائه ، فمن لا يستطيع حفظ أكثر من صفحة في اليوم يقال له : أنت ناجح لأنك أتيت بكل ما تقدر عليه ، ولا يقال : أنت فاشل لأن فلاناً حفظ صفحتين .
هـ) أخذه إلى مجالس الكبار ومخالطته لهم مع التوجيه المستمر ، والاعتماد عليه في قضاء بعض الحاجيات ، ومشاركته في بعض الأنشطة الإذاعية ونحوها ، وتقدير كلامه والسماع له ومحاورته وحمل آرائه محمل الجد.
وحينئذ ينشط الطالب ويقبل على القرآن واثقاً من معونة الله له ، واثقاً من مقدرته على الحفظ ، واثقاً من تحقيق نتائج جيدة .
8- الحماس :
إن حماس الإنسان لهدف ما في حياته يعين كثيراً على عدم نسيان العناصر المرتبطة بهذا الموقف ، فكلما تحمس الإنسان لما يريد الوصول إليه كلما تذكر الأمور المرتبطة والمتصلة بهذا الهدف ، وعلى العكس من ذلك الطالب الذي يدرس مادة لا يحبها إما لصعوبتها أو بسبب تعقيد المدرس من خلال شرحه أو غير ذلك ، فإن هذا يؤدي إلى ضعف الحماس نحو هذه المادة ، وبالتالي إلى النتيجة الطبيعية وهي ضعف التذكر في تفاصيل هذه المادة .
وإذا كانت الخطب الحماسية لها دور كبير في نصر الجيش أو هزيمته ، فكيف بالطالب الصغير ، وهاهو رسول الله يحمس أصحابه فيقول : (( قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض )) ، فيقوم عمير بن الحمام لى الجهاد مسرعاً حتى إنه لا يجد متسعاً من الوقت لأكل تمراته .
وهاهو يصيح أثناء المعركة
( أرم سعد فداك أبي وأمي )) .
هاهو قدوتنا في كل شيء ، فداؤه آباؤنا وأمهاتنا …
9- بعث الفرح والسرور في نفسه :
يؤثر الفرح والسرور في نفوس الطلاب تأثيراً كبيراً ، ومعظم الأعمال التي يقومون بها وحدهم أو في غياب مدرسهم هدفها إدخال السرور إلى نفوسهم ، فإذا تولى المدرس هذه المهمة ووجهها نحو أهدافه فإنه يثير نشاط الطلاب ويكسب محبتهم له ولحلقته ، ولما جاؤوا من أجله ، لأنه يبعث الفرح في نفوسهم .
والفرح يورث الحيوية والانطلاق ويبعث النشاط فيكون الطالب على أهبة الاستعداد لتلقي الأوامر وتنفيذ المطلوب منه وقد كان النبي يمازح أصحابه ، ويقبل الصغار ، ويمسح رؤوسهم ، ويحملهم ، ويطعمهم ، وبأكل معهم ، ويختار لهم كنى تناسبهم ، ويناديهم بها .
وقد ظهر في العصر الحديث هذا الاتجاه فيما يسمى ( التعليم بالترفيه ) وهو مسلك تسلكه الدول الغربية في تعليمها للأطفال ، ولا يعني هذا أن تفقد الحلقة انضباطها ، لكن أن يدخل المدرس بحديثه وأسلوبه الفرح في النفوس حتى يسارع الطلاب إلى الطاعة والتزام ما يطلب منهم .
10- القصة :
تعتبر القصة من أهم المنشطات التي تبعد الملل وتغرس القيم وتترك آثاراً واضحة في النفوس ، وهي من مبادئ التربية الإسلامية وقد استخدمها القرآن الكريم استخداماً واسعاً ، وحين يشعر المدرس بملل طلابه وفتورهم فإن بعض القصص المختارة بعناية تعيد إليهم نشاطهم وحيويتهم .
وإذا كانت القصة جذابة فإن الطالب يعايش أحداثها وجدانياً وتستميله عاطفياً فيتأثر بها سلوكياً ، وتصل القيم المراد غرسها إلى نفسه بغير أسلوب الأمر والنهي .
والقرآن الكريم والسنة المطهرة مليئان بالقصص التي تربى عليها الجيل الأول ومن بعدهم ، وينبغي أن تكون القصة مشوقة للطالب ، مناسبة لعمره ، مصوغة بالقالب الذي ينفذ إلى حسه بسهوله ، دافعة إلى الخير والقيم والفضيلة وإلى الهدف المراد تحقيقه منها .
ويختار المعلم قصص أطفال المسلمين من عهد النبوة إلى الوقت الحالي ، وقصص حفظة القرآن ، وقصص بعض حلقات التحفيظ ونحوها ، لتكون القصة باعثة على نشاط الطالب نحو التعلم .
11- الترويح عنه بمداعبته والسماح له باللعب والمرح :
الترويح أمر مشروع في الإسلام ، ولا بد منه بين فترة وأخرى ، ليعيد للنفس نشاطها وحيويتها فتقبل على العمل بجد واجتهاد ، جاء في الحديث (( روحوا القلوب ساعة وساعة )) .
وفي شرح المناوي : قال أبو الدرداء : إني لأجم فؤادي ببعض الباطل – أي اللهو الجائز – لأنشط للحق ، وقال علي : أجموا هذه القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان .
وكان النبي يمر على الفتيان يلعبون فيسلم عليهم .
وقد قال إخوة يوسف لأبيهم يعقوب عليه السلام : ( أرسله معنا غداً يرتع ويلعب ) .
وكان النبي يداعب الصغار ، فعن أنس بن مالك قال : كان رسول الله يدخل علينا ولي أخ صغير يكنى أبا عمير ، وكان له نُغَر يلعب به فمات ، فدخل عليه النبي فرآه حزيناً ، فقال : ما شأنه ؟ قالوا : مات نُغَره ، فقال : ( يا أبا عمير ما فعل النغير؟) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه .
وينبغي أن يكون كل ذلك موجَّهاً تحت إشراف المعلم ، ولا يكون إلزاماً ولا قسراً ، بل حسب الحاجة وحسب ميل النفوس .
12- الامتحان والإثابة :
من الأساليب التي يمكن للمعلم أن يلجأ إليها لتشجيع الطالب ، أسلوب امتحان الطالب وسؤاله السؤال الغريب أو الصعب – ضمن حدود قدراته – ثم الثناء عليه وإثابته إن أجاب ، وهذا يزيد من ثقة الطالب في نفسه ، ويرى أنه قد عظم في نظر معلمه ، ويشعر أنه محل عناية واهتمام ، وأن جهده مرصود معلوم لدى الآخرين .
عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله : (( يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ )) قال قلت : الله ورسوله أعلم . قال : (( يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ )) قال قلت : الله لا إله إلا هو الحي القيوم . قال : فضرب في صدري وقال : (( والله ليهنك العلم أبا المنذر )) .
قال النووي : قوله لأبي المنذر (( ليهنك العلم أبا المنذر )) فيه منقبة عظيمة لأبي ، ودليل على كثرة علمه ، وفيه تبجيل العالم فضلاء أصحابه وتكنيتهم ، وجواز مدح الإنسان في وجهه إذا كان فيه مصلحة ولم يخف عليه إعجاب ونحوه لكمال نفسه ورسوخه في التقوى .
وهذا الامتحان غير الاختبارات النظامية التي تجرى من قبل الجمعية ، ولكن أسئلة متنوعة في ثقافة الطالب التي تكون في حدود إمكانياته ، وذلك كالسؤال عن آية متشابه أو عن كلمة غريبة ، أو عن حكم تجويدي مع ضمان مشاركة الطالب المقصود بالتشجيع في الإجابة والثناء عليه وإثابته ليشعر بإمكاناته وقدراته ويرفع من معنوياته .
13- المحاورة في العلم :
وهذا تتمه لما قبله لكنه يختلف عنه بأنه المعلم هو الذي يشارك الطالب في الإجابة ومن ميزات هذا الأسلوب أن يشترك الطالب في الدرس ويكون جزءاً لا يتجزأ منه .
وكان النبي يستخدم هذا الأسلوب مع أصحابه ، كما في حديث أبي هريرة : (( أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات ، هل يبقى من درنه شيء )). قالوا : لا يبقى من درنه شيء . قال : (( فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا )) رواه البخاري ومسلم .
وهذا الأسلوب يثير انتباه السامعين ، ويشوق نفوسهم إلى الجواب ، ويرسخ العلم في أذهانهم ، ويحضهم على إعمال الفكر ، ويعودهم المشاركة والإيجابية ، ولا شك أن الطالب حين يكون مجرد مستمع فإن ذلك سيؤدي إلى ملله ، أما إن شارك فسيشعر بالنشاط والحيوية .
14- الاعتدال والبعد الإملال ( ) :
كان يتعهد أوقات أصحابه وأحوالهم في تذكيرهم وتعليمهم لئلا يملوا ، وكان يراعي في ذلك القصد والاعتدال .
عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال : كان ابن مسعود يذكرنا في كل خميس . فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم . فقال : أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم ، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله يتخولنا بها مخافة السآمة علينا . متفق عليه .
15- تعويده العادات الحسنة :
على المعلم أن يعود طلابه العادات الحسنة التي تضمن لهم نشاطاً وافراً وعطاءً مستمراً ، فيعودهم الاستيقاظ في وقت مبكر ( في الصيف ) والحفظ قبل موعد الحلقة ، والمراجعة في البيت ، وسرد المراجعة – ولو على زملائهم – وتصحيح الدرس الجديد قبل حفظه ، والحفظ بدون أخطاء ، والتسميع المفاجئ من غير ترتيب ، وذلك كله يشعل النشاط في الطالب ويجعله على أهبة الاستعداد دوماً .
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال : قال رسول الله : (( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع )) رواه أبو داود بإسناد حسن .
وهكذا يأمر النبي بتربية الأبناء على العادات الحسنة ، وعندئذ يصبح الخير عادة من عادات النفوس تستسيغ فعلها بنشاط ودون كلل أو تعب .
16- غرس حب العلم في نفسه ( ) :
حين يغرس المعلم في نفس الطالب حب القرآن وفضائله ، وفضل أهله وحملته ، فإن الطالب سيكون أكثر إقبالاً على القرآن ، وأكثر تعلقاً به ، وأكثر نشاطاً في حفظه وتعلمه .
وقد كان النبي يستخدم هذا كثيراً ، فالأحاديث في الفضائل لا تكاد تحصى ، وقد اختصت كتب بجمع أحاديث الفضائل فقط ، والأحاديث في فضائل العلم كثيرة جداً .
عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله يقول : (( من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يصنع ، وإن العالم ليستغفر له من السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورّثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر )) رواه أبو داود والترمذي .
والأساليب في غرس حب العلم كثيرة ، منها ذكر فضائله ، ومقارنة العلماء بالجهل ، والثناء على العلماء ، وإجلالهم وتقديرهم ، والترحم عليهم ، واتخاذ العلم الشرعي مقياساً في المفاضلة .
17- الربط بالمثل العليا ( ) :
فالتربية على المثل الأعلى والتطلع إليه والإغراء به يحفز الإنسان دائماً للارتقاء بنفسه وبتربيته ليصبح قريباً أو مشابهاً للمثل الأعلى .
وكان النبي يؤكد على ذلك بقوله : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ))
ويقول : (( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )) .
وكذلك المعلم ينبغي أن يربط الطالب بمثل أعلى في الخير ، بذكر أقوال السلف وأحوالهم مع القرآن ، ويربطه بمثل أخرى من الواقع من زملائه المجتهدين أو العلماء المعاصرين أو الحفاظ والمقرئين ، وحينئذ يرغب الطالب في الوصول إلى ما وصلوا إليه ، فيثير ذلك في نفسه نشاطاً يدفعه إلى الإقبال على مائدة القرآن .
18- التنويع :
التنويع يدفع السأم ، ويبعد الملل ، ويجدد النشاط ، ويجعل الفكرة المعروضة أدعى للقبول ، وأيسر للفهم .
ونجد أن القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة يحفلان بالأساليب المتنوعة لتقريب الفكرة للمخاطبين .
وإذا أخذنا مثالاً من القرآن الكريم على تحريم الزنا ؛ فإننا نجده قد سلك مسالك عدة في ذلك ، فنهى عنه نهياً صريحاً بقوله : ولا تقربوا الزنا
ونهى عنه بالتشنيع على مرتكبه بقوله : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة أي أنه إنما يزني بزانية مثله أو مشركة .
ومدح من لا يزنون بقوله : والذين لا يدعون مع الله إله آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون .
وذكر قصة يوسف التي تبين شرف العفة وفضلها .
وكل ذلك من شأنه أن يقرر الفكرة في ذهن المخاطب .
وكذلك الطالب ينبغي أن تنوع أساليب التعليم له فمرة بالإلقاء ، ومرة بالسؤال ، ومرة بطلب البحث ، وهكذا ……..
19- استخدام الوسائل المعينة على التعليم :
الوسائل التعليمية هي الطرق والأساليب التي يستعين بها المعلم على إيصال الفكرة إلى أذهان الطلاب .
وهي تعين على الفهم ، وترسخ المعلومة في الذهن ، وتجعل التعلم أمراً مسلياً محبباً إلى النفوس ، وهي تلفت الانتباه وتجذب المتعلمين بما تتضمنه من عناصر جذابة ، وقد استخدم النبي ذلك في تعليمه للصحابة .
عن عبد الله بن مسعود قال : خط رسول الله خطاً مربعاً ، وخط خطاً في الوسط خارجاً منه ، وخط خطوطاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط ، فقال : ( هذا الإنسان ، وهذا أجله محيط به ، وهذا الذي هو خارج أمله ، وهذه الخطوط الصغار : الأعراض ، فإن أخطأه هذا نهشه هذا ، وإن أخطأه هذا نهشه هذا ، وإن أخطأه كلها نهشه الهرم)رواه البخــاري
وقد أكدت دراسة حديثة أن الإنسان يتذكر ما يتعلمه بنسب متفاوتة بحسب الأسلوب الذي استخدم في تعليمه على النحو التالي :
يتذكر الإنسان بنسبة 10 % مما يقرؤه .
يتذكر الإنسان بنسبة 20 % مما يسمعه .
يتذكر الإنسان بنسبة 30 % مما يـراه .
يتذكر الإنسان بنسبة 50 % مما يراه ويسمعه في وقت واحد .
يتذكر الإنسان بنسبة 80 % مما يقوله .
يتذكر الإنسان بنسبة 90 % مما يقوله ويفعله .
ومثال ذلك : أن يشرح المعلم الحكم التجويدي بقوله ، ثم يطبقه بلفظه ، ويستعين باللوح لتوضيحه ، ويطلب من الطلاب استخراجه من المصاحف ، ويطلب منهم نطقه ، ويسمعهم إياه من المسجل ، ويريهم إياه في المصاحف التي تبرز التجويد بألوان مختلفة . وهذا من شأنه أن يثبت المعلومة وأن يثير النشاط ويذهب السأم .
20- الإنصات للمتعلم والحوار الهادئ معه :
وهذا من أفضل الأساليب لتشجيع الطالب ، وحل المشكلات التي يواجهها ومساعدته على الوصول إلى نقاط ضعفه ومعالجتها .
ويتم ذلك من خلال حوار هادئ يجريه المعلم مع الطالب يبين فيه للطالب أنه جاد في معرفة مشكلته ، ويقنعه بذلك دون انفعال أو غضب أو سخرية ، فيحترم مشاعر طالبه ويهتم بها ويظهر قبولها ، وينصت له إنصاتاً تاماً ، ويبدي مشاركته العاطفية لما يقوله بحركات الوجه أو تكرير ما يقوله بالتجاوب معه ، وينتظر المعلم إلى أن يفرغ الطالب كل ما لديه ، فيضع يده على جوهر المشكلة ويسمي الحالة التي يمر بها الطالب : { يأس ، فتور ، إرهاق ، ……… }
ويبين للطالب أنه يشعر بهذا وأنه معذور حالياً ، ويحاول إيجاد حل لمشكلته ، وتقديم النصائح العملية والاقتراحات الواقعية ، مع المتابعة له وإعانته والأخذ بيده ، ملمحاً بالتهديد أن لا عذر لديه إن لم يتحسن.
وهذا له أثر كبير جداً في تنشيط الطلاب ، ولكنه يحتاج مدرساً قريباً من نفوس الطلاب خبيراً بنفسياتهم ، بارعاً في التعامل معهم .
21- الجوائز :
الجوائز من أقوى الدوافع على العمل والإنتاج ، وهي تحفز النفوس ، وتثير الهمم ، وتبعث النشاط .
وحسبنا في بيان ذلك ما وعد الله به تعالى عباده المتقين من جنات النعيم . وقد فصل القرآن الكريم والسنة المطهرة ما للمتقين من جزاء عند الله تعالى تفصيلاً وافياً بأروع أسلوب ، وأبين عبارة ، وأدق وصف ، ليكون دافعاً للمخاطبين إلى العمل الصالح .
وقد بين الله تعالى أنه لا يضيع عنده من عمل الخير مثقال ذرة : فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، إن الله لا يظلم مثقال ذرة .
والقرآن الكريم والسنة المطهرة حافلان بأمثال ذلك .
وكان النبي يستخدم أسلوب الإثابة ليشجع على أمر من الأمور .
عن عبد الله بن الحارث قال : كان رسول الله يصف عبد الله وعبيد الله وكثيراً بني العباس ثم يقول : ( من سبق إليّ فله كذا وكذا ) ، قال : فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم
والجوائز الموضوعة من قبل الجمعية بناءً على نتائج الاختبارات لها أثر جيد على الطلاب ، لكن ينبغي أن يكون هناك جوائز أخرى تعطى للمدرس فيوزعها – وفق ضوابط معينة على الطلاب – وفي هذا عون كبير له على أداء مهمته .
وينبغي أن تكون الجائزة لائقة بالطالب ، مناسبة للعمل الذي أنجزه ، وتعطى له على مرأى من زملائه ؛ لتكون أكثر فائدة ، وتكون أفضل كلما كانت فائدتها أكبر على الطالب وعلى من حوله كأن تكون شريطاً دعوياً ، أو مجلة هادفة ، أو أداة نافعة ، كما تكون أحب إلى الطالب حين تمنحه الحرية في الاختيار كأن يُعطى شيكاً يُصرف من المكتبة حسب ما يختاره.
22- البعد عن عوامل التثبيط :
من أهم عوامل التنشيط البعد عن عوامل التثبيط ، ومما يثبط الطالب ما يلي :-
1- إضعاف ثقته بنفسه .
2- التسلط والضرب وكثرة الزجر .
3- أساليب التربية الخاطئة .
4- عدم تقدير جهوده وعدم مكافأته وترك الثناء عليه .
5- دفعه إلى الحفظ بطرق خاطئة كالقول له : حفظك لا يصلح أبداً ، أنت لست حافظاً إذا بقيت على هذه الحال فاذهب وابحث عن مجال آخر .
6- ظلم الطالب وهضم حقه وعدم إنصافه .
7- عدم قبول قوله وعدم الاعتداد برأيه وتسفيهه وتجهيله .
8- ضعف المدرس علمياً وتربوياً ومخالفة القول العمل .
23- الغضب :
هو من أقوى الأساليب في إثارة الهمم وتحقيق الأهداف ، ونقصد بالغضب : الغضب المشروع ، أي الغضب لله عز وجل ، ويلجأ المعلم إلى هذا الأسلوب حين يستنفذ وسائل كثيرة قبله ، فيغضب غضباً يؤدي إلى المقصود فحسب ، شريطة أن يملك زمام نفسه ، ويكون متحكماً في تصرفاته ، واعياً لأفعاله وألفاظه ، دقيقاً في حركاته وعباراته .
عن جابر بن عبدالله قال : ( كان رسول الله إذا خطب احمرت عيناه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش ، يقول صبحكم ومساكم ) رواه مسلم والنسائي وابن ماجه .
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : خرج رسول الله على أصحابه وهم يختصمون في القدر ، فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب . وقال: (( بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم ؟ تضربون القرآن بعضه ببعض ، بهذا هلكت الأمم قبلكم )) رواه ابن ماجه والطبراني في الأوسط الكبير .
فالغضب المشروع هو أسلوب ناجح لرد الأمور إلى نصابها ، ومنشط قوي يقضي على الفتور الذي مرده إلى الكسل والامبالاة ، وأسلوب لا بد منه حين تستنفذ الأساليب ، لكنه ليس كل شيء كما هو واقع في بعض الحلقات .
24- الإعراض والهجر :
الهجر أسلوب شاق على النفس ، شديد الوقع على الفؤاد ، وهو أكثر الأساليب قسوة خاصة إن عومل به طالب رقيق القلب ، بالغ الحساسية .
فلا يلجأ إليه إلا نادراً ، مع مراعاة أن يكون محكماً ، واضح الهدف ، معلَّل الغاية ، وألا تسقط به الواجبات ، أو تضيع به الحقوق ، كرد السلام وعيادة المريض ونحوها .
وهو يدفع الشخص المهجور إلى العودة أحسن مما كان ، وينشطه نشاطاً يستنفذ فيه قواه ويستخرج كافة طاقاته للعودة إلى الوضع الاجتماعي الطبيعي .
ولنَرَ حال كعب بن مالك حين هجره المسلمون لتخفه عن غزوة تبوك ، ونهى رسول الله عن كلامنا ، قال فاجتنبنا الناس ، أو قال تغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض التي أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة . فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد ، وآتي رسول الله فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة ، فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا ؟ ثم أصلي قريباً منه وأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي ، وإذا التفت نحوه أعرض عني .
ولنَرَ الأثر الإيجابي للهجر عليه ، وبقاء هذا الأثر طيلة عمره ، قال كعب بعد أن نزلت توبته : فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله . فقال رسول الله : (( أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك )) فقلت : إني أمسك سهمي الذي بخيبر ، وقلت : يا رسول الله إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت ، فوالله ما علمت أحداً من المسلمين أبلاه الله تعالى في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله أحسن مما أبلاني الله تعالى .
والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله إلى يومي هذا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقي .
والأسلوبان الأخيران -الغضب والإعراض- هي آخر الأساليب التي يلجأ إليها المعلم بعد نفاد ما بحوزته من أساليب.